الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.فصل: في كراهة قراءة القرآن بلا تدبر: تكره قراء الْقُرْآنِ بِلَا تَدَبُّرٍ وَعَلَيْهِ مَحَلُّ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِمَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَقُومُ بِالْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ «أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ».وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْخَوَارِجِ: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَلَا حَنَاجِرَهُمْ» ذَمَّهُمْ بِإِحْكَامِ أَلْفَاظِهِ وَتَرْكِ التَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ..فَصْلٌ: فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُكُمْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَرْفَعُهُ: «إن القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته مَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَمْسًا خَمْسًا» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ تَعَلَّمَهُ خَمْسًا خَمْسًا لَمْ يَنْسَهُ».قَالَ أصحابنا: تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَكَذَلِكَ حِفْظُهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَالْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ أَلَّا يَنْقَطِعَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَلَا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ قَوْمٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَالْكُلُّ آثِمٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ أَوِ الْقَرْيَةِ مَنْ يَتْلُو الْقُرْآنَ أَثِمُوا بِأَسْرِهِمْ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ لِلتَّعْلِيمِ وَطُلِبَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَامْتَنَعَ لَمْ يَأْثَمْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا صَحَّحَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الْمُفْتِيَ وَالْمُدَرِّسَ لَا يَأْثَمَانِ بِالِامْتِنَاعِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ غَيْرُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ كَانَتْ تَفُوتُ لَمْ يَجُزِ الِامْتِنَاعُ كَالْمُصَلِّي يُرِيدُ تَعَلُّمَ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ رَدَّهُ لَخَرَجَ الْوَقْتُ بِسَبَبِ ذَهَابِهِ إِلَى الْآخَرِ وَلِضِيقِ الْوَقْتِ عَنِ التَّعْلِيمِ.وَيَنْبَغِي تَعْلِيمُهُ عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَعْهُودِ فَإِنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا قَالَ ذَاكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ.قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ مِنْ آخِرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ثُمَّ يَرْتَفِعَ إِلَى الْبَقَرَةِ كَنَحْوِ مَا تَفْعَلُ الصِّبْيَانُ فِي الْكُتَّابِ لِأَنَّ السُّنَّةَ خِلَافُ هَذَا وَإِنَّمَا وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِي تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ مِنَ الْمُفَصَّلِ لِصُعُوبَةِ السُّوَرِ الطوال عليهما..مسألة: في جواز أخذ الأجر على تعليم القرآن: وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَقِيلَ إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَقَالَ اسْتَنْصَرَ النَّاسُ الْمُعَلِّمِينَ لِقَصْرِهِمْ زَمَانَهُمْ عَلَى مُعَاشَرَةِ الصِّبْيَانِ ثُمَّ النِّسَاءِ حَتَّى أَثَّرَ ذَلِكَ فِي عُقُولِهِمْ ثُمَّ لِابْتِغَائِهِمْ عَلَيْهِ الْأَجْعَالَ وَطَمَعِهِمْ فِي أَطْعِمَةِ الصِّبْيَانِ فَأَمَّا نفس التعليم فإنه يوجب التشريف والتفضيل.وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ: التَّعْلِيمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:أَحَدُهَا: لِلْحِسْبَةِ وَلَا يَأْخُذْ بِهِ عِوَضًا وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّمَ بِالْأُجْرَةِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَلِّمَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ قَبِلَ.فَالْأَوَّلُ: مَأْجُورٌ عَلَيْهِ وَهُوَ عَمَلُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.وَالثَّانِي: مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ يَجُوزُ مِثْلُ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ وَنَصْرِ بْنِ يَحْيَى وَأَبِي نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: وَالْأَفْضَلُ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُشَارِطَ الأجرة للحفظ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ شَارَطَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَوَارَثُوا ذَلِكَ وَاحْتَاجُوا إِلَيْهِ.وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعَلِّمًا لِلْخَلْقِ وَكَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلِحَدِيثِ اللَّدِيغِ لَمَّا رَقَوْهُ بِالْفَاتِحَةِ وَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «واضربوا لي معكم فيها بسهم»..فصل: في دوام تلاوة القرآن بعد تعلمه: وَلْيُدْمِنْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُثْنِيًا عَلَى مَنْ كَانَ دَأْبُهُ تِلَاوَةَ آيَاتِ اللَّهِ: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} وَسَمَّاهُ ذِكْرًا وَتَوَعَّدَ الْمُعْرِضَ عَنْهُ وَمَنْ تَعَلَّمَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عِقَالِهَا وَقَالَ بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نسي واستذكروا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا فِي صُدُورِ الرِّجَالِ من النعم في عقالها»..مسألة: في استحباب الاستياك والتطهر للقراءة: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِيَاكُ وَتَطْهِيرُ فَمِهِ وَالطِّهَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ بِاسْتِيَاكِهِ وَتَطْهِيرِ بَدَنِهِ بِالطِّيبِ الْمُسْتَحَبِّ تَكْرِيمًا لِحَالِ التِّلَاوَةِ لَابِسًا مِنَ الثِّيَابِ مَا يَتَجَمَّلُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ لِكَوْنِهِ بِالتِّلَاوَةِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ بِهَذَا الْإِينَاسِ فَإِنَّ التَّالِيَ لِلْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَالِمِ لِذِي الْكَلَامِ وَهَذَا غَايَةُ التَّشْرِيفِ مِنْ فَضْلِ الْكَرِيمِ الْعَلَّامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَّكِئٌ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى.وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا وَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لَا يُقَالُ إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ سِوَى الْجَنَابَةِ وَفَى مَعْنَاهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ فِي الْحَائِضِ تَقْرَأُ خَوْفَ النِّسْيَانِ.وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ أَقَلَّ مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَإِذَا أَرَادَتِ الْحَائِضُ التَّعَلُّمَ فَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُلَقَّنَ نِصْفَ آيَةٍ ثُمَّ تَسْكُتَ وَلَا تَقْرَأَ آيَةً وَاحِدَةً بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ حَالَ خُرُوجِ الرِّيحِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّوَاقِضِ كَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَنَحْوِهِ فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ عَادَةً وَلِأَنَّهُ فِي حَالِ خُرُوجِ الرِّيحِ يبعد بخلاف هذه..مسألة: في التعوذ وقراءة البسملة عند التلاوة: يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ قَطْعَهَا قَطْعَ تَرْكٍ وَأَرَادَ الْعَوْدَ جَدَّدَ وَإِنْ قَطَعَهَا لَعُذْرٍ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ وَلَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ تَحَرُّزًا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَّا كَانَ قَارِئًا بَعْضَ السُّوَرِ لَا جَمِيعَهَا فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَائِهَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْبَسْمَلَةُ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا نَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ.وَقَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْقَصِيدَةِ: كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَأْخُذُ عَلَيْنَا فِي الْأَجْزَاءِ الْقُرْآنِيَّةِ بِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ وَيَأْمُرُنَا بِهَا فِي حزب: {الله لا إله إلا هو} وفى حزب {إليه يرد علم الساعة} لِمَا فِيهِمَا بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ قُبْحِ اللَّفْظِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ إِذَا ابْتَدَأَ مِثْلَ ذَلِكَ نَحْوَ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} {وهو الذي أنشأ جنات} لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ كَانَ مَكِّيٌّ يَخْتَارُ إِعَادَةَ الْآيَةِ قَبْلَ كُلِّ حِزْبٍ مِنَ الْحِزْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ..مَسْأَلَةٌ: وَلْتَكُنْ تِلَاوَتُهُ بَعْدَ أَخْذِهِ الْقُرْآنَ مِنْ أَهْلِ الْإِتْقَانِ لِهَذَا الشَّأْنِ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَمِعُ به جبريل في رمضان فيدراسه القرآن..مسألة: في قراءة القرآن في المصحف أفضل أم على ظهر قلب: وَهَلِ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ أَمْ عَلَى ظَهْرِ الْقَلْبِ أَمْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:أَحَدُهَا أَنَّهَا مِنَ الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ عِبَادَةٌ فَتَجْتَمِعُ الْقِرَاءَةُ وَالنَّظَرُ وَهَذَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى...... وَتَأَمُّلِ الْمُصْحَفِ وَجُمَلِهِ وَيَزِيدُ فِي الْأَجْرِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ الْخَتْمَةُ فِي الْمُصْحَفِ بِسَبْعٍ وَذُكِرَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَقْرَءُونَ فِي الْمُصْحَفِ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمٌ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي الْمُصْحَفِ.وَدَخَلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ مِصْرَ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَسْجِدَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْمُصْحَفُ فَقَالَ شَغَلَكُمُ الْفِقْهُ عَنِ الْقُرْآنِ إِنِّي لَأُصَلِّي الْعَتَمَةَ وَأَضَعُ الْمُصْحَفَ فِي يَدِي فَمَا أُطْبِقُهُ حَتَّى الصُّبْحِ.وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ كَانَ أَبِي يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سُبْعًا مِنَ الْقُرْآنِ لَا يَتْرُكُهُ نَظَرًا.وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حديث أبي سعيد بن عون المكي عن عثمان بن عبيد اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِرَاءَةُ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ أَلْفُ دَرَجَةٍ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ تُضَاعَفُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَلْفَيْ دَرَجَةٍ» وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ لَا بَأْسَ بِهِ.وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ القرآن في المصحف كانت له ألفا حَسَنَةٍ وَمَنْ قَرَأَهُ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ فَأَظُنُّهُ قال كألف حَسَنَةٍ» وَفَى الطَّرِيقِ الْأُخْرَى قَالَ دَرَجَةٍ وَجَزَمَ بِأَلْفٍ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ.وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُلَّ يَوْمٍ نَظَرًا شُفِّعَ فِي سَبْعَةِ قُبُورٍ حَوْلَ قَبْرِهِ وَخُفِّفَ الْعَذَابُ عَنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ».وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بِسَنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَضْلُ الْقُرْآنِ نَظَرًا عَلَى مَنْ قَرَأَ ظَاهِرًا كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ» وَبِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ نشر المصحف يقرأ فيه.وروى أبو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «النَّظَرُ إِلَى الْكَعْبَةِ عِبَادَةٌ وَالنَّظَرُ فِي وَجْهِ الْوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ».وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كَانَ يُعْجِبُهُمُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ هُنَيْهَةً قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ آيَاتٍ يَسِيرَةً وَلَا يَتْرُكَهُ مَهْجُورًا.وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى ظَهْرِ الْقَلْبِ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ فِي أَمَالِيهِ قِيلَ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ فِعْلَ الْجَارِحَتَيْنِ وَهُمَا اللِّسَانُ وَالْعَيْنُ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقِرَاءَةِ التدبر لقوله تعالى: {ليدبروا آياته} وَالْعَادَةُ تَشْهَدُ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ يُخِلُّ بِهَذَا الْمَقْصُودِ فَكَانَ مَرْجُوحًا.وَالثَّالِثُ: وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ إِنْ كَانَ الْقَارِئُ مِنْ حِفْظِهِ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَجَمْعِ الْقَلْبِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْمُصْحَفِ فَالْقِرَاءَةُ مِنَ الْحِفْظِ أَفْضَلُ وَإِنِ اسْتَوَيَا فَمِنَ الْمُصْحَفِ أفضل قال وهو مراد السلف.
|